responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 356
4) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيْدِ، إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِيْنِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيْدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ} (ق:18) حَيْثُ فُسِّرَ القُرْبُ فِيْهِمَا بِقُرْبِ المَلَائِكَةِ!
وَالجَوَابُ: أَنَّ تَفْسِيْرَ القُرْبِ فِيْهِمَا بِقُرْبِ المَلَائِكَةِ لَيْسَ صَرْفًا لِلكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، فَإِنَّ القُرْبَ مُقَيَّدٌ فِيْهَا بِالمَلَائِكَةِ حَيْثُ قَالَ: {إِذْ يَتَلَقَّى} فَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِهِ قُرْبُ المَلَكَيْنِ المُتَلَقِيِيْنِ.
فَإِنْ قِيْلَ: لِمَاذَا أَضَافَ اللهُ القُرْبَ إِلَيْهِ، وَهَلْ جَاءَ نَحْو هَذَا التَّعْبِيْرِ مُرَادًا بِهِ المَلَائِكَةُ؟
فَالجَوَابُ: أَضَافَ اللهُ تَعَالَى قُرْبَ المَلَائِكَةِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ قُرْبَهُم تَمَّ بِأَمْرِهِ، وَهُمْ جُنُوْدُهُ وَرُسُلُهُ، وَقَدْ جَاءَ نَحْو هَذَا التَّعْبِيْرِ مُرَادًا بِهِ المَلَائِكَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (القِيَامَة:18) فَإِنَّ المُرَادَ بِهِ قِرَاءَةُ جِبْرِيْلَ القُرْآنَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَضَافَ القِرَاءَةَ إِلَيْهِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ جِبْرِيْلُ يَقْرَأُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى صَحَّتْ إِضَافَةُ القِرَاءَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوْطٍ} (هُوْد:74) وَإِبْرَاهِيْمُ إِنَّمَا كَانَ يُجَادِلُ المَلَائِكَةَ الَّذِيْنَ هُمْ رُسُلُ اللهِ تَعَالَى.

5) قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ سَفِيْنَةِ نُوْحٍ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (القَمَر:14)، وَقَوْلُهُ لِمُوْسَى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طَه:39).
وَالجَوَابُ: أَنَّ المَعْنَى فِي هَاتَيْنِ الآيَتِيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الكَلَامِ وَحَقِيْقَتِهِ، لَكِنْ مَا ظَاهِرُ الكَلَامِ وَحَقِيْقتُهُ هُنَا؟ هَلْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ وَحَقِيْقَتَهُ أَنَّ السَّفِيْنَةَ تَجْرِي فِي عَيْنِ اللهِ؛ أَوْ أَنَّ مُوْسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَرْبَى فَوْقَ عَيْنِ اللهِ تَعَالَى؟!!
أَوْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ السَّفِيْنَةَ تَجْرِي وَعَيْنُ اللهِ تَرْعَاهَا وَتَكْلَؤُهَا، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَةُ مُوْسَى تَكُوْنُ عَلَى عَيْنِ اللهِ تَعَالَى يَرْعَاهُ وَيَكْلَؤُهُ بِهَا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَوْلَ الأَوَّلَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أ) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيْهِ الكَلَامُ بِمُقْتَضَى الخِطَابِ العَرَبِيِّ، وَالقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ العَرَبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ} (يُوْسُف:[2]) وَلَا أَحَدَ يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ القَائِلِ: فُلَانٌ يَسِيْرُ بِعَيْنِي أَنَّ المَعْنَى أَنَّهُ يَسِيْرُ دَاخِلَ عَيْنِهِ، وَلَا مِنْ قَوْلِ القَائِلِ: فُلَانٌ تَخَرَّجَ عَلَى عَيْنِي؛ أَنَّ تَخَرُّجَهُ كَانَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى عَيْنِهِ، وَلَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي هَذَا الخِطَابِ لَضَحِكَ مِنْهُ السُّفَهَاءُ فَضْلًا عَنِ العُقَلَاءِ. (1)
ب) أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ غَايَةَ الامْتِنَاعِ، وَلَا يُمْكِنُ لِمَنْ عَرَفَ اللهَ وَقَدَّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ أَنْ يَفْهَمَهُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَحُلُّ فِيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوْقَاتِهِ، وَلَا هُوَ حَالٌّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوْقَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا مِنَ النَّاحِيَةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُوْنَ ظَاهِرُ الكَلَامِ هُوَ القَوْلُ الثَّانِي؛ أَنَّ السَّفِيْنَةَ تَجْرِي وَعَيْنُ اللهِ تَرْعَاهَا وَتَكْلَؤُهَا، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَةُ مُوْسَى تَكُوْنُ عَلَى عَيْنِ اللهِ يَرْعَاهُ وَيَكْلَؤُهُ بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ بِمَرْأَىً مِنِّي، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا كَانَ يَكْلَؤُهُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرَاهُ. (2)

(1) قُلْتُ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ: إِنَّكَ تَحْتَ عَيْنِي، وَفُلَانٌ تَخَرَّجَ مِنْ تَحْتِ يَدِي، وَفُلَانٌ يَدِي اليُمْنَى وَ ..... مِمَّا مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ مَفْهُوْمٌ بِاللِّسَانِ العَرَبِيِّ.
[2] قُلْتُ: وَوَجْهُ كَوْنِ العَيْنِ هِيَ الَّتِيْ تَرْعَاهُ دُوْنَ الوَجْهِ أَوِ اليَدِ أَو .... هُوَ لِأَنَّ العَيْنَ تُفِيْدُ الاطِّلَاعَ وَالمُرَاقَبَةَ وَالإِحَاطَةَ مِمَّا يُنَاسِبُ الحِفْظَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
اسم الکتاب : التوضيح الرشيد في شرح التوحيد المؤلف : نغوي، خلدون    الجزء : 1  صفحة : 356
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست